«الجزيرة» ونصر أكتوبر (3)
عاهدت نفسها القناة الفضائية التى تحمل صفة قاعدة عسكرية ومخابراتية أجنبية والتى تدعى (الجزيرة القطرية) أن تتناول نصر أكتوبر بوجهتى نظر مدعيتين على هذه الحرب المجيدة، وهما (وجهة إسرائيل ووجهة الإخوان) ولم تأتِ ولو لمرة واحدة بمن يتحدث بحق فى النصر العسكرى الوحيد فى تاريخ الأمة العربية على مدار قرنين من الزمان التاسع عشر والعشرين، وهذا تأكيد لما سبق أن ذكرناه فى المقالتين السابقتين عن العلاقة المترابطة والمتشابكة بين القناة وكل الجماعات المتأسلمة وعلى رأسها الإخوان وإسرائيل الممول المخابراتى خلف الستار.
ومنذ نشاة القناة فى عام 1990 وهى كل ذكرى لنصر أكتوبر لا تقترب من المعارك العسكرية التى خطط لها الجيش المصرى، ولا لهزيمة أسطورة الجيش الذى لا يقهر التى كانت تصف به إسرائيل نفسها لتخيف اقتراب الجيوش العربية منها فى حرب نفسية دعائية كاذبة كما كشفتها حرب أكتوبر، وكان كل ما يهم هذه القناة اللقيطة التى ولدت من رحم عدة أجهزة مخابراتية حتى توارى نسبها هو النيل من حرب أكتوبر والجيش المصرى، وحتى عام 2002 كانت تستضيف بشكل مستمر الفريق سعد الدين الشاذلى، مستغلة خلاف وجهات النظر العسكرية بينه وبين الرئيس السادات والمشير أحمد إسماعيل فى موضوع الثغرة الذى حلله كبار الخبراء والقادة العسكريين فى أنحاء العالم بأنه خلاف عسكرى والواجب أن ينصاع الجميع لوجهة نظر القائد الأعلى للجيش والذى يمثله وقتذاك الرئيس السادات الذى قام بدوره فى استطلاع راى قادة أكتوبر على كل الجبهات القتالية حتى يأمر بتنفيذ (تطوير الهجوم من عدمه) وأن وجهة نظر(الشاذلى) ليس بالضرورة هى الأصح ولو كانت نفذت لصارت العواقب وخيمة تفوق حتى مجرد إحداث (ثغرة) وأنه لو كانت تلك الثغرة ذات أهمية استراتيجية فى مسار تلك الحرب ما تنازلت عنها إسرائيل وأمريكا وما كانوا طلبوا من مصر ورئيسها وقف إطلاق النار والذى أعلنه السادات بشكل رسمى ولكن فى استكمال خطة الخداع قام بحرب استنزاف ثانية لم يعلمها إلا قلة من قادة أكتوبر لا يتعدون الخمسة وباقى الجيش كان يستكمل قتاله فى ظل هذه الخطة وهو لا يعلم بوقف القتال، وتلك الحرب الاستنزافية الثانية هى التى جعلت إسرائيل تجاهر بالتلويح بالسلام ورجوع سيناء للمصريين.
على الجانب الآخر، لم يكن جنرالات إسرائيل ببعيدين عن هذه الحرب القذرة التى تديرها تلك الفضائية المخابراتية فى ذكرى نصر أكتوبر، والأكثر هو استضافتهم ليتحدثوا بالكذب والافتراء عن حرب هزموا فيها شر هزيمة، ولكن القناة العميلة منحتهم فرصة عمرهم ليسوقوا مفاهيم عن أن حرب أكتوبر لم يكن بها غالب ولا مغلوب، وأن كفتى مصر وإسرائيل العسكريتين كانتا متساويتين، هذا التلويح الذى استنكرته أول ندوة استراتيجية عالمية عقدت بجامعة القاهرة عام 1975 وجمعت كل الخبراء والعلماء العسكريين والمتخصصين فى الشئون الاستراتيجية بأنحاء العالم بمن فيهم الإسرائيليون ليقوموا بتحليل سير المعارك العسكرية على الجبهتين المصرية والإسرائيلية لتعلن النتيجة بأن نجاح المعارك على الجبهة المصرية كان بنسبة 65 ٪ وعلى الجبهة الإسرائيلية بنسبة 35 ٪، علاوة على ما قام به الجيش المصرى من تغيير فى علم الاستراتيجية العسكرية الحديثة للحروب التقليدية التى تعتمد على جبهتين متقاتلتين متقابلتين ومع كل هذا استخدمت خطط الخداع والمفاجأة رغم قرب الجبهات من بعضها وما يمكن كل طرف من رصد الآخر بسهولة، وعندما يكون هذا متوافرا ويتم الخداع والمفاجأة واشتراك أسلحة مختلفة فى معارك قتالية فى وقت واحد وفى عز الظهر يعنى فى وضح النهار إنما مدلول هذا أن الجيش المصرى صلب مقدام جسور لديه خطط مدروسة وواعية استخدم فيها فن التوقيت والطقس الجوى والطقوس الدينية فكان اختيار شهر أكتوبر ذى الجو الخريفى الذى يلائم حرب المناطق الصحراوية الوعرة والمضايق والعبور فى وضح النهار وبتوقيت الظهيرة، حتى إن الجانب الإسرائيلى بلع طعم الخداع بأن ما يقوم به الجيش المصرى هو نوع من التدريب المعتاد على عبور الحاجز المائى، وكان لاختيار السبت يوم عيد الغفران عند إسرائيل والجميع يحتفى بالمنازل والمعابد، واستغلت المناسبة الدينية ونفذت الحرب بالنصر لجيش مصر العظيم الذى استخدم بدوره أيضا الطقس الدينى الأهم عند المصريين وهو شهر رمضان الكريم لإثارة حماس الضباط والجنود والامتثال لقدوتنا ونبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) فى حروبه بهذا الشهر المبارك، ومع ذلك لاتزال قطر تسأل وتجيب لنفسها متلحفة بخداع الإخوان الذين تنتمى إليهم والذين اغتالوا بطل الحرب والسلام يوم عيده من منطلق كرههم لمصر وشعبها، وأن النصر الذى جاء بدماء الأبناء لم يعجب أرباب الإرهاب فذهبوا إلى المهزومين يستطلعون رأيهم فى النصر المبين.